فصل: الجناية السادسة في حد السرقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الجناية السادسة في حد السرقة

وأصله‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ‏)‏ وفيه نظران‏:‏

النظر الأول‏:‏ في الموجب، وهو السرقة

ولها ثلاثة أركان‏:‏

الركن الأول‏:‏ السارق‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ شرطه‏:‏ تكليف، فلا يقطع الصبي ولا المجنون؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ‏)‏‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ لا يحد الصغير حتى يحتلم الغلام، وتحيض الجارية، أو يبلغا سنًا، لا يبلغه أحد إلا بلغ، قال مالك‏:‏ ويحد بالإنبات، قال ابن القاسم‏:‏ أحب إلى أن يحكم بالإنبات، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إنما يعتبر الإنبات البين الأسود، والسن، ثمان عشرة سنة، وقال بعض البغدادين‏:‏ الاحتلام من المرأة بلوغ، وإن لم تحض، قال يحيى بن عمر‏:‏ كل شيء بينه وبين الله تعالى يقبل قوله، وإنه لم يحتلم، وما يطالب به من حدو نحوه، لا ينظر لإنكاره البلوغ، ويحكم بالإثبات كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏ينظر إلى مئزره‏)‏، قال اللخمي‏:‏ ويعتبر في البلوغ حبل المرأة، ومتى اعترف الصبي بالاحتلام، حد، وينظر إلى إنبات الجارية النساء‏.‏

وفي الركن ثلاثة فروع‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ يقطع الذمي؛ لأن السرقة من الفساد في الأرض، وكذلك الذمية، ومن فيه بقية رق، والحربي إذا دخل بأمان، فإن أفاق المجنون، فسرق حالة إفاقته، قطع، أو أخر إلى إفاقته‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ إن سرق رجل مع صبي أو مجنون، قطع المكلف، وحده، قال أشهب، إذا سرق الأب مع أجنبي مال الولد ما قيمته نصاب‏:‏ قال أشهب‏:‏ أو ما يقع على الأجنبي منه أكثر من ثلاثة دراهم، لم يقطع الأجنبي؛ لأن الأب قد أذن له، فذلك شبهة‏.‏ وكذلك الأجنبي مع عبدك أو أخيك الذي ائتمنته على بيتك، لم يقطع واحد منهما، قال محمد‏:‏ ذلك إذا كان موضع أذن للعبد في دخوله، وإلا قطع الأجنبي دون العبد، وإن سرقًا نصاباً فقط‏.‏ والفرق بين هذا وشركة الأب‏:‏ أن الصبي والمجنون لا يصح أذنهما، قال اللخمي‏:‏ الشركة ثلاثة يسقط القطع عنهما، ولا يسقط عن الثاني، وإن سقط عن الآخر، يختلف فيه، والأول شركة الأبوين؛ لأنه أذن له من له شبهة، وكذلك شركة العبد، وإن لم تكن له شبهة، إذا لم يكن الموضع أذن له في دخوله؛ لأن القطع لصون المال، وقطع العبد ضياعه، فلا يقطع شريكه‏.‏ وإن كان الأجير سرق مع الأجنبي من موضع لم يؤذن له فيه دخوله، قطع، والثالث‏:‏ شركة الابن والأجنبي، سرقًا من والده أو أحد الأجداد إذا أدخله، فإن أسقطنا القطع عمن أدخله لم يقطع الأجنبي، وإن لم يسقط عن الإذن، قطعنا الأجنبي‏.‏ وكذلك الأجنبي مع الزوجة أو الضيف خلاف‏.‏ وإذا أخرج البالغ أو العاقل سرقة، والصبي أو المجنون أخرى، لم يقطع المكلف، إلا أن يكون فيما أخرجه نصاب، وكذلك العبد والأجنبي، وإن حملاها بينهما، لم يقطع الأجنبي إلا أن تكون قيمتها نصف دينار‏.‏

الثالث‏:‏ في الجواهر‏:‏ يستوي في القطع الحر والعبد، والرجل والمرأة، وسواء سرق المعاهد من ذمي أو مسلم، وإن لم يترافعوا إلينا؛ لأنه من الظلم الذي لا يقر بينهم‏.‏ وفي النوادر‏:‏ إن سرق العبد من متاع امرأة سيده من بيت أذن له في دخوله، لم يقطع، وإلا قطع إن كان مستسرًا، ‏(‏قاله مالك‏)‏، وكذلك عبد الزوجة يسرق مال الزوج، والمكاتب كذلك، وإن سرق عبد مالك فيه شركة مالك، لم يقطع، وإن سرق عبدك أو مكاتبك أو مدبرك من مال عبدك أو مكاتب أو مدبر، لم يقطع؛ لأنه كمالك، والحكمة الشرعية تأبى إفساد مالك بالقطع لمالك‏.‏ وفي الحديث ‏(‏عبدكم سرق متاعكم‏)‏، ومن سرق من مال ابن سيده، قطع؛ لاستقلال الملك، أو من وديعة عندك من بيت، لم يؤمه على دخوله، لم يقطع، أو من مال لك فيه شرك أكثر من نصيبك بنصاب‏:‏ قال مالك‏:‏ يقطع إن أحرزه الشريك عنك‏.‏ وإلا فلا، واختلف فيه قول مالك‏:‏ روى محمد بن خالد‏:‏ إن سرق العبد من مال ابنه الحر أو ابنه العبد، لا يقطع؛ لأن مال ابنه ماله حتى ينتزعه سيده، قال ابن القاسم‏:‏ إن جمعت زكاة لتقسمها بين المسلمين، وأغلقت عليها، فسرق عبدك منها، قطع، لأنك لم تأمنه على دخوله، والمال للمسلمين، قال مالك‏:‏ وإن ائتمنته لم يقطع، قال ابن القاسم‏:‏ إن سرق عبيد الخمس من الخمس، أو عبيد الفيء من الفيء قطعوا‏.‏

الركن الثاني، المسروق وله ستة شروط‏:‏

الشرط الأول‏:‏ النصاب، وفي الكتاب‏:‏ إن سرق زنة ربع دينار ذهبا، قطع، وإن كانت قيمته درهما، وإن نقص الوزن، لم يقطع، فإن ساوى أكثر من ثلاثة دراهم، قطع، وكذلك الفضة، وإنما يقوم غير الذهب والفضة، فإن وصلت قيمته ثلاثة دراهم، قطع، وإن لم يصل ربع دينار من الذهب، وإن ساوى ربع دينار من الذهب، ولم يساو ثلاثة دراهم، لم يقطع، وإنما يقوم بالدراهم، ودينار السرقة، والدية اثنا عشر درهما، ارتفع الصرف، أو انخفض‏.‏ ووافقنا أحمد‏:‏ أن أصل الورق ثلاثة دراهم‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ النصاب دينار أو عشرة دراهم، وبها يقوم‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ النصاب ربع دينار، وتقوم الدراهم بالذهب، فإن ساوت ربع دينار ذهبا، وإلا فلا، وكذلك العروض‏.‏ وإن ساوى ربع دينار الذهب، أقل من ثلاثة دراهم، لم يقطع‏.‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والسارق والسارقة‏)‏، ولم يفرق، فلا يشترط الدينار، بل يكفي أقل المال ولو فلس، وقد قال به جماعة‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ - قال عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لعن الله السارق يسرق البيضة فيقطع‏)‏، وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا‏)‏، وفيهما قطع - عليه السلام - في مجن قيمته ثلاثة دراهم‏.‏ وفي أبي داود‏:‏ قطع - صلى الله عليه وسلم - من سرق ترسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم‏.‏ ومذهبنا مروي عن أبي بكر وعمر،

وعثمان، وعائشة وغيرهم من غير نكير، فكان إجماعا‏.‏ احتجوا بما روي أنه - عليه السلام - قطع في مجن قيمته عشرة دراهم، وأنه - عليه السلام - قال‏:‏ ‏(‏لا قطع في أقل من عشرة دراهم‏)‏؛ ولأن تعارض الأخبار، شبهة توجب سقوط الحد‏.‏

وجوابه الأول‏:‏ القول بالموجب‏.‏ فإن القطع في العشرة، متفق عليه، ولا يلزم منه أن لا يقطع في أقل منه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن أخبارنا أرجح؛ للاتفاق على صحتها وموافقتها لظاهر القرآن، والراجح لا شبهة معه‏.‏ واحتج ‏(‏ش‏)‏ بما في الحديث‏:‏ ‏(‏لا قطع إلا في ربع دينار‏)‏‏.‏ والدينار اسم للذهب دون غيره، فنفي القطع في غيره صريحا‏.‏ وأما قوله‏:‏ ثمنه أو قيمته ثلاثة دراهم، فقضية عين يحتمل أنها أصل، أو أنها وصلت ربع دينار، فيسقط ويرجع إلى الصريح، وهو كما لو قال‏:‏ قيمته عشرة آصع من التمر، فيعلم أن الآصع وصلت ربع دينار، وإنما خصص الدراهم بالذكر؛ لأنها غالب نقد البلد، فلا يكون النصاب إلا الذهب، وغيره‏.‏ والجواب على هذا الكلام وإن كان قويا‏:‏ أن عائشة وابن عمر وغيرهما من الرواة، إنما ذكروا الدراهم؛ لبيان تأسيس قاعدة النصاب، فوجب أن تكون هي المعتبرة، ولو كان الذهب هو الأصل فقط؛ لعينه الراوي؛ لأنه لا ضرورة إلى ذكر غيره؛ ولأن باب الذهب فيه أصل، فوجب أن تكون الفضة أصلا أيضا، كالزكاة ولهم قلب هذا القياس، فيقولون‏:‏ فلا يختص التقويم بالدراهم، كالزكاة، وبالجملة‏:‏ الموضع محتمل، وكلامهم قوي‏.‏

تفريع‏:‏

في التنبيهات‏:‏ يختص التقويم بالدراهم، كانت المعاملة بالدراهم في البلد، أو بالذهب، ‏(‏قاله معظم الشيوخ والشراح‏)‏، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يختص النصاب بالذهب كما قال ‏(‏ش‏)‏، قال بعض الشيوخ، وهو الأصل؛ لظاهر الحديث المتقدم‏.‏ وقال جماعة من البغداديين والمغاربة‏:‏ إن التقويم بنقد البلد كيف كان‏:‏ دراهم أو ذهبا، وإن معنى ما في الكتاب محمول على أن المعاملة بالدراهم حينئذ، وإن كانت المعاملة بهما جميعا، فأكثرهما كسائر التقويمات‏.‏ في المقدمات‏:‏ وقد قال في الكتاب في الذهب أرسلت منه بربع دينار، قطع، فاعتبر الذهب، وفي الشاة‏:‏ إن كانت قيمتها يوم خرج بها ربع دينار، قطع، فصوص الكتاب تشير إلى ما قاله هذا القائل‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ التقويم عند مالك بالدراهم في بلد تباع فيه العروض بالدراهم، أو بالدراهم والدنانير، فإن كان إنما يباع بالعروض، فبالذهب، ويحمل الحديثان على حالين‏.‏ وقوله‏:‏ إنما تقوم الأشياء بالدراهم يريد‏:‏ في بلد تباع فيه العروض بالدراهم خاصة، وإن كان يباع بالدراهم والدنانير، استحب التقويم بالدراهم‏.‏ وقال بعض الصقليين‏:‏ إذا كان البلد لا يتعامل فيه بالنقدين، بل بالعروض، قومت بالدراهم في أقرب المواضع المتعامل فيها بالنقدين، فإن سرق نصف ربع دينار ذهبا ودرهما ونصفا، قطع، أو عرضا قيمته درهم، ونصف وورق، أو ذهب نصف نصاب، قال ابن القاسم‏:‏ إن نقصت الثلاثة دراهم خروبة، لم يقطع؛ لأن نقصانها ربع درهم أو خمس‏.‏ قال أصبغ‏:‏ يقطع في مثل الحبتين من كل درهم‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ إن كان في الدراهم نحاس كثير، اعتبر ما فيها من الفضة، إلا أن يكون النحاس يسيرا جدا‏.‏ والنحاس المكسر، عرض يقوم ويكمل بقيمة النصاب‏.‏ قال ابن دينار‏:‏ ويعتبر في المصاغ وزنه دون قيمته، وقال جماعة من الصقليين‏:‏ تعتبر في الحلي المربوط بالحجارة وزنه الحلي، وقيمة الحجارة، كانت تبعا أو الحلي تبعا‏.‏

نظائر‏:‏ الدنانير خمسة‏:‏ دينار السرقة، والدية والنكاح‏:‏ اثنا عشر درهمًا، ودينار الجزية والزكاة‏:‏ عشرة دراهم، ‏(‏قاله ابن يونس‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن سرق ما قيمته ثلاثة دراهم وهي لرجلين، قطع؛ لأنه نصابا، وإن سرق ما قيمته ثلاثة دراهم من الطعام الذي لا يبقى، كاللحم والقثاء، قطع، والأترجة التي قطع فيها عثمان - رضي الله عنه - كانت تؤكل لا ذهبًا، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقطع‏.‏ لنا‏:‏ عموم الكتاب، والسنة، والقياس، بجامع المالية‏.‏ احتجوا بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا قطع في ثمر ولا كنز‏)‏ ولأنه يفيد البقاء، فضعفت ماليته عن صور الإجماع‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن بقية الحديث‏:‏ ‏(‏فإذا أواه الجرين ففيه القطع‏)‏‏.‏

وعن الثاني‏:‏ إنما يرد الفرق على المثبت بالقياس، أما عمومات النصوص، فلا تخصص بالفروق، فإنه يمكن أن يقال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تقتلوا النفس‏)‏ مخصص بالرجل أو بالعلماء؛ لأن من عداهم انقص رتبة، وقد قطع عثمان في الأترجة، وقومها بثلاثة دراهم، ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعًا، ولو كانت ذهبًا لم تقوم‏.‏ في التنبيهات‏:‏ قيل‏:‏ كانت ذهبًا قدر حمصة يجعل فيها الطيب‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ سارق الماء والحجر إذا كانت قيمته ثلاثة دراهم، يقطع، وكذلك البازي، وكذلك سباع الوحش إن كانت جلودها إذا ذكيت قبل أن تدبغ نصابًا؛ لأن لصاحبها بيع جلود ما ذكي منها، والصلاة عليها وإن لم تدبغ‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن سرق عبدًا فصيحًا كبيرًا يقطع، أو أعجميًا، قطع، وكذلك الصبي الصغير، وخالفنا الأئمة‏.‏ لنا‏:‏ لعموم الآية‏:‏ والإثم صادق على سارق الصبي الحر وغيره، وذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سارق الصبيان فأمر بقطعه، وهو نص في التسمية والحكم؛ ولأنه نفس مضمونة بالجناية، فيقطع بسرقتها، كالبهيمة، أو بجامع أنه غير مميز، سرق من حرزه، أو قياسًا على المملوك‏.‏ احتجوا بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا قطع إلا في ربع دينار‏)‏، وهذا ليس بربع دينار، فلا يقطع؛ ولأن الحر لا يحرز في العادة، فهو سارق من غير حرز، وقياسًا على الكبير النائم‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه عام في أفراد القطع مطلق فيما يقطع فيه، وقد عين من ذلك المطلق رفع دينار، فمفهوم الحصر يقتضي نفي القطع عن غيره، فيختص ذلك المفهوم بذلك الجنس وهو الأموال، سلمنا عمومه، لا كنا نخصصه بالأدلة المتقدمة، وبأنه إذا سبقه أبطل نفسه بالبيع وميراثه، وحد قذفه وديته، وإن كانت أنثى، أحل فرجها، وأسقط صداقها، وقطع ولاية أوليائها، وهذا من الفساد العظيم في الأرض، أعظم من ربع دينار، والفساد قد جعل الله تعالى فيه القطع والقتل في الحرابة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن يجعل معه من يحفظه، أو في مكان يغلب على الظن أنه لا يفارقه، فهو حرز له، كالغنم في المراح‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق أنه لا يحل، ولا يمكن من بيع نفسه، بخلاف الصغير، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ ذلك إذا كان الصغير لا يعقل، وإلا قطع، وقال عبد الملك‏:‏ لا قطع مطلقًا، قال اللخمي‏:‏ إن سرق حليه وهو كبير يحرز ما عليه، أو صغير، أو معه من يحفظه، أو في دار أهله، قطع، أو صغيرًا لا يحفظ ما عليه خارجًا عن دار أهله، أو فيها والسارق أذن له في الدخول، فيقطع، قال ابن القاسم‏:‏ أو أخذ على وجه الخديعة، أو كابره، فيه الأدب إن كان كبيرًا، والصغير علمه وعدمه سواء‏.‏ وفي المنتقى‏:‏ حكى في الجلاب روايتين في خلخال الصبي أو شيء من خليته، القطع إن كان في دار أهله أو بنانهم، والأخرى، عدم القطع مطلقًا ولم يذكر تفصيلاً، فيحمل على الصغير الذي لا يمنع نفسه‏.‏‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن سرق ثوبا لا يساوي ثلاثة دراهم فيه دراهم لم يعرف بها، قطع في الثوب، ونحوه مما عادة الناس الدفع فيه، بخلاف الخشبة والحجر، لا يقطع إلا فيما قيمته نفسه نصاب‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال بعض فقهائنا‏:‏ لو سرق خرقة، العادة عدم الدفع فيها لزنا بها، لم يقطع بما فيها إذا لم يعرف به، قال أصبغ‏:‏ إن سرق ليلاً عصا مفضضة وفضتها ظاهرة فيها أكثر من ثلاثة دراهم، وقال‏:‏ لم أر الفضة بالليل، وظن به ذلك، لم يقطع، كما لو كانت الفضة داخلها‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إن سرق دون النصاب ولم يعلم به حتى سرق قيمته‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يقطع حتى يخرج في مرة ما قيمه ثلاثة دراهم؛ لأنه لم يصدق عليه أنه أخرج نصابًا من حرز، وقال سحنون‏:‏ وإن كان في فور واحد قطع؛ لأن هذا من وجه الحيلة على أموال الناس، فإن أخرج نصابًا من حرزين‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ لا يقطع، كالنصاب في مرتين، وإن كان لرجل حانوتان في دار، فسرق رجل من كل واحدة درهما ونصفًا، لم يقطع إن كانت دارًا مشتركة، وإن أخرج ذلك من الدار كلها، قطع ولو لم تكن مشتركة، وأخرج ذلك من الدار كلها قطع، وإن أخر فيها، لم يقطع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ المعتبر في قيمة المنفعة‏:‏ المقصود من العين عادة وشرعًا، فيقوم الحمام المعروف بالسبق والإجابة على أنه ليس فيه ذلك؛ لأنه ينمو، وتقوم سباع الطير المعلمة بتعليمها، وعن أشهب‏:‏ التسوية بينهما، وهو نحو قول مالك في قتل المحرم إياه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقوم السرقة أهل العدل والنظر، فإن اختلفوا، واجتمع عدلان، قطع، وإلا فلا يقطع برجل واحد؛ لعظم شأن الحدود‏.‏ قال الطرطوشي‏:‏ قال مالك‏:‏ تعتبر القيمة يوم السرقة لا يوم القطع؛ لعدم الحكم بالقطع والتقويم أم لا، فإن تعارض في التقويم عدلان وعدلان، حكم بأقربهما إلى السداد، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن نقصت قبل القطع، امتنع القطع، ووافقنا على أنه نقصت لهلاك بعضها أو هلاكها، لا يسقط القطع، ومنشأ الخلاف‏.‏ النظر إلى حال النهاية؛ لأنه لو رجع الشهود بطل القطع، ونحن نعتبر حال الابتداء، بدليل نقصان العين في ذاتها‏.‏ لنا‏:‏ الآية والأخبار المتقدمة في النصاب، والقياس على نقصان، بل أولى؛ لأنه حوالة الأسواق لرغبات الناس، وهو أمر خارج عن العين، ويرجى زواله، ولأن القطع شرع؛ زجرًا عن الجرأة على الأموال، والجرأة حصلت وقت السرقة على النصاب، فتعين القطع‏.‏ احتجوا بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا قطع إلا في ربع دينار‏)‏، وهذا ليس ربع دينار، ولأن القيمة مظنونة، فإذا وجدناها نقصت، اتهمنا المقومين، أو لا فيكون بسببه يسقط الحد، ولأنه معتبر انتقض، فيبطل الحد، كالرجوع عن الإقرار، البينة ترجع‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن في الحديث للسببية، لاستحالة أن يكون القطع مصروفًا للنصاب، بل معناه‏:‏ لا قطع إلا بسبب أخذ ربع دينار، لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏في النفس المؤمنة مائة من الإبل‏)‏، أي‏:‏ بسبب قتلها، وهو كثير‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الكلام حيث كان النص لتغير السوق، لا مع بقائه‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أنه يبطل بنقص العين، فإن فرقوا بأن نقصان العين يضمن لحق آدمي فضمن لحق الله تعالى، أو لأن نقصان العين مضمون على السارق، فلما تقرر بدله في ذمته، لم يسقط القطع لوجود النصاب، بعضه في ذمته، وبعضه موجود‏.‏ فلنا‏:‏ حق الله تعالى بالعين دون القيمة، بدليل أنه لو أكل الطعام في الحرز لم يقطع، وأما حق الآدمي - وهو القيمة - فلا يترتب إلا عند عدم العين‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن ما في الذمة غير مسروق والقطع في غير المسروق باطل‏.‏

فرع‏:‏

في المقدمات‏:‏ إن نقصت الدراهم نقصًا لا تتفق عليه الموازين، قطع، فإن كانت يتعامل بها عددًا وتنقص ثلاث حبات كل درهم، ففي المدونة‏:‏ لا يقطع، وإن جازت لحواز الوازنة خلاف الزكاة، والفرق‏:‏ أن الاحتياط إيجاب الزكاة وعدم القطع، فيحصل الاحتياط بها‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن يكون غير مملوك للسارق، فلو سرق ماله المرتهن، أو من المستأجر، أو طرأ الملك بالإرث قبل الخروج من الحرز، فلا قطع، وفي الكتاب‏:‏ إن ورثه بعد الخروج، أو ملكه بهبة أو غيرها، قطع، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا ملكه بسبب من الأسباب، سقط القطع‏.‏ لنا‏:‏ العمومات والقياس على خراب الحرز، وهلاك العين، أو زنى بجارية ثم مالكها‏.‏ احتجوا بحديث صفوان، فإنه قال‏:‏ يا رسول الله، هو له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏هلا كان ذلك قبل ذلك‏)‏، دل على أنه لو وهبه له قبل القطع ووصوله للإمام سقط القطع؛ ولأنه لا يسمى حينئذ سارقًا إذا وهبه له، كما لو أكل الطعام داخل الحرز؛ ولأنه حد لا يجب مع الملك، فلا يبقى مع الملك، كالضمان بل أولى؛ لأن الضمان لا يسقط بالشبهة والحد يسقط معها، وبالقياس على زنا المقذوف، وعلى رجوع الشهود، فإن الحدود تسقط‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الحديث يقتضي أنه لو ترك، رفعه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسكت عن القضية، لم يقطع، وحصل مقصود صفوان، فإنه هاجر، فكره أن يقطع مسلم من أجله، فتوسل في ذلك بكل طريق، فقيل له‏:‏ هلا قبل أن يأتيني به‏.‏ والحديث نص لنا في موضع الخلاف، فإن الهبة ما نفعت‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه إذا أكل، لم تتحقق السرقة ‏(‏وهي الإخراج من الحرز‏)‏، بخلاف مسألتنا في تحقيق السرقة‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق أن الضمان هو المطالبة‏:‏ وهي متعذرة مع ماله المعين، والحد لا يتعذر مع الملك؛ لتحقيق الجرأة سابقًا‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن زنا المقذوف يورث شبهة أنه قبل ذلك يزني، فيصدق القاذف‏.‏ وطريان الملك لا يوجب توهم تقدمه، ولأن حده لزوال العار، وإن زنى ثبت العار‏.‏ وأما رجوع الشهود، فيخل بالسبب، لأنا ما علمناه إلا من قبلهم، وهاهنا السبب لم يختل‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ أني كون محترمًا‏.‏ ففي الكتاب‏:‏ لا قطع في خمر ولا خنزير، وإن كان لذمي، سرقة مسلم أو ذمي‏.‏ وللذمي قيمة، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ لا قيمة فيما حرم الله تعالى، وفيه الأدب، ولا قطع في كلب الصيد؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم ثمنه، ولا في جلد الميتة‏:‏ فإن دبغ وقيمة الصنعة دون الجلد نصاب، قطع، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن كانت قيمة الجلد المدبوغ نصابا، قطع وإلا فلا، قال مالك‏:‏ لا يقطع في كلب الصيد والماشية وقال أشهب‏:‏ يقطع في كلب الصيد والماشية، وهو على الخلاف جواز بيعه‏.‏ قال أشهب‏:‏ يقطع في الزيت النجس إن ساوى في بيعه ثلاثة دراهم‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ إن سرق الأضحية قبل الذبح، قطع، وبعده، لا يقطع؛ لأنها لا تباع، وإن سرق لحمها ممن تصدق عليه، قطع، وإن سرق مزمارًا أو غيره من آلات الطرب، وقيمته بعد الكسر نصاب، قطع، وإلا فلا، سرقه مسلم أو ذمي من مسلم؛ لأن على الإمام كسرها عليهم إذا أظهروها، وإن كان فيها فضة نصاب علم بها، قطع، وإن سرق دفا أو كبرًا قيمته صحيحًا نصاب، قطع؛ للرخصة في اللعب به، قال اللخمي‏:‏ ما جاز بيعه وملكه، قطع به، وما لا يجوز بيعه ولا ملكه، لا يقطع فيه إلا الحر، ففيه قولان‏.‏ وما يجز ملكه دون بيه قطعه ابن القاسم فيه دون أشهب‏.‏ وقطع أشهب في لحم الأضحية بعد الذبح؛ لأن المنع من بيعها لحق الله تعالى، فأشبه حجارة المسجد، وقال أشهب‏:‏ يقوم البازي غير معلم، والمشهور أرجح إلا أن يراد للهو، ولو قصد بالحمام حمل الأخبار لا اللهو قومت عليه معلمة، ويقوم الصنم الخشب مكسورًا‏.‏ وعن ابن القاسم أن الكبر والدف، كالعود لا يقوم غير خشبه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ أواني الذهب والفضة المحرمة المأمور بكسرها يقوم الذهب والفضة دون الصنعة‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ أن يكون الملك تاما قويا؛ احترازًا من الشركة، ففي الكتاب‏:‏ إن سرق الشريك من مال الشركة مما قد علق عليه، لم يقطع، وإن أودعاه رجلاً، فسرق أحدهما منه مما فيه من حصة شريكه نصابًا، قطع وإلا فلا؛ لأن اختلاط الملك وشياعه شبهة، قال ابن يونس‏:‏ وعن مالك إذا لم يأتمنه ومنعه منه وهو بيد أجنبي، أو بيد أحدهما وقد حجره عن الآخر، قطع، فإن سرق عبد من مال شركة بين سيده ورجل‏:‏ فقولان لمالك‏.‏ وقال أشهب‏:‏ إن سرق فوق حق سيده نصابًا، قطع إلى أحرزه شريك سيده عن السيد، وإن كان عند سيده، لم يقطع‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إن جعل الشريكان المفتاح عند رجل، فسرق الذي عنده المفتاح وإن كان المفتاح في دار أحدهما؛ خوفًا من الآخر، قطع المخوف، وإلا فلا‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ يقطع سارق بيت المال والغنائم وأهراء المسلمين؛ لحقارة ما يستحقه، أو لأن الملك لا يحصل إلا بالقسمة‏.‏ وللإمام صرف هذه العين عنه المالكية، ولم يقطعه عبد الملك إلا أن سرق ربع دينار زائدًا على سهمه؛ لأنه له فيه شبهة‏.‏ ولا يقطع عبد الملك إلا إن سرق ربع دينار زائدًا، على سهمه؛ لأنه له فيه شبهة‏.‏ ولا يقطع من سرق من جوع أصابه، قال الطرطوشي، قال سحنون‏:‏ يقطع سارق بيت المال مطلقا بخلاف المغنم؛ لأن بيت المال لا يجب إلا بعد أخذه، ولذلك يجري في وطء أمة من بيت المال‏.‏‏.‏‏.‏ المغنم‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لا حد مطلقا، لشبهة الاستحقاق، والأعيان التي أصلها الإباحة، كالحطب والصيد، يقطع فيه، وقال ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقطع في الدجاج، والأوز، وسائر الحيوان إلا أن يدخل العين صنعة، كالنجار للخشب صندوقًا‏.‏ ووافقنا على الخشب الثمين، كالساج والعود ونحوه، وعلى الذهب والفضة، وإن استخرجا من المعدن‏.‏ لنا‏:‏ العمومات والأقيسة المتقدمة‏.‏ احتجوا بقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏الناس شركاء في ثلاث‏:‏ الماء، والكلأ، والنار، وعنه - عليه الصلاة والسلام -‏:‏ ‏(‏لا قطع في الطير‏)‏؛ ولأن المجاز منها يشبه غير المجاز، وذلك شبهة‏.‏ وأما الذهب والفضة‏:‏ فليسا على الإباحة؛ لأنها كانت للكفار‏.‏ وقالت عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ ‏(‏كانت اليد لا تقع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه‏)‏‏.‏ والماء تابعه‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الشركة مختصة بما قبل الإحراز، كالغنيمة وبيت المال لتفسيق أخذ شيء منه بعد الحوز، والشريك لا يفسق‏.‏

وعن الثاني‏:‏ منع الصحة‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الأجنبية تشبه الزوجة، والحد ثابت إجماعًا‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن مال الكافر مباح، ومن سرقه بعد حوز المسلم، قطع؛ ولأن المعادن لا تملك بملك الأرض؛ لجواز بيع أرض فيها معدن ذهب بذهب‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن التافه جنسه لا قيمته، والقطع في القيمة، وفي الكتاب‏:‏ يقطع سارق المصحف، وقاله ‏(‏ش‏)‏، ولم يقطعه ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا‏:‏ ما تقدم‏.‏ احتجوا بأنه يمتنع بيعه، فهو كأم الولد، ولأن فيه شبهة؛ لأن عليه أن يتعلم القرآن، فيتعلمه منه، أو رأى فيه لحنًا، فأخذه ليصلحه‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه يجوز بيعه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ لا نسلم أن المصحف يتعين التعليم منه‏.‏

وعن الثالث‏:‏ لا نسلم أن اللحن يبيح أخذه، بل يقال له‏:‏ فيه لحن فأصلحه‏.‏

الشرط الخامس، سلامته من شبهة الاستحقاق‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن سرق أحد الأبوين من مال الولد، لم يقطع، أو الجد من قبل الأم أو الأب، أحب إلي أن لا يقطعوا؛ لأنه أب؛ ولأن الدية تغلظ عليهم كالأب، وليس المسقط النفقة؛ لأنه لا يلزمه نفقة ابنه الكبير ولا ابنته الثيب، ولا يقطع لهما، ولا يحد في وطء جواريهما، ويقطع الابن ويحد في وطء الجارية‏.‏ وتقطع المرأة إن سرقت من مال زوجها من غير بيتها التي تسكنه‏.‏ وكذلك جاريتها إن سرقت من مال الزوج أكثر من حقها‏.‏ وحق المرأة، والابن في المال كحق صاحب الدين‏.‏ ويشترط في خادمها وخادمه الحجر عليها من بيت المال، وإن سرق العبد أو المكاتب من مال السيد، لم يقطع، لشبهة النفقة، أو لقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏عبدكم سرق متاعكم‏)‏، وفي العتيبة‏:‏ إن سرق مال ابن سيده، قطع، أو السيد من مال عبده أو مكاتبة أو مكاتب ابنه أو عبد أبيه، لم يقطع؛ لشبهة الانتزاع يومًا ما‏.‏ قال اللخمي عن أشهب‏:‏ لا يقطع الابن لشبهة الانفاق كالأب، ولا يحد في الزنا، وقال ابن القصار‏:‏ يقطع إن سقطت نفقته، وإلا فلا يقطع، كالبكر والذمي، فإن سرق من مال أمه أو زنى، حد، أو ولد الولد من أحد أجداده أو جداته، حد‏.‏ وعن أشهب‏:‏ يقطع الجد؛ لعدم النفقة في مال حفيده‏.‏ وعن مصعب‏:‏ يقطع العبد في موضع حجب عنه، وإن كان المال في بيت واحد في تابوت محجور عليه، فلابن القاسم في قطع الزوجين للآخر قولان، ويختلف على قوله في الضيف، وعدم قطع الزوجين أحسن‏.‏ إن كان الحجر تحفظًا من أجنبي، وإن خاف أحدهما الآخر، قطع، وإن سرق الزوج مما شورها به ولم يبين بها، قطع على القول بوجوبه كله لها، وعلى القول أنه مترقب لا يحد‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا أدخل الضيف داره وبيته فيها، فسرق منها، لا يقطع، وقطعه سحنون إن أخرجه إلى قاعدة الدار؛ لأن الدار ليست برز للإذن في دخولها، والبيت حرز‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لا يقطع مستحق الدين إذا سرق من غريمه المماطل حبس حقه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقطع الزوجان مطلقًا، وكذلك المعتد المبتوتة، والأصهار إذا سرقوا من بيت الأختان والأختان من الأصهار، وكل ذي رحم محرم حتى الربيب للمرأة أو الرجل‏.‏ وعند ‏(‏ش‏)‏ ثلاثة أقوال‏:‏ يقطع الزوجان، لا يقطعان، يقطع الزوج دون المرأة، ووافقنا في الأصهار وغيرهم‏.‏ لنا في القطع‏:‏ العمومات، والأقيسة على الإجارة، والصديقين، والمداين‏.‏ احتجوا بأن العادة أن كل واحد منهما ينبسط في مال الآخر، أما المرأة فبالنفقة، وأما هو فيحجر عليها في معنى الثلث، ويتجمل بمالها، ويفترشه، ويبتذله‏.‏ ولأن الأبوة فرع المناكحة، والأبوة تمنع القطع، فأصلها أولى، أو نقول‏:‏ متوارثان، فلا يقطع أحدهما للآخر، كالإبن مع الأب؛ ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آباكم‏)‏، فذكر الأعمام، والعمات، والخال، والخالات، والإخوة، والأخوات، فتحققت الشبهة في مالهم‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن العادة وصول الأجر إليه، فلا يقطع، إنما النزاع فيما حجر فيه عليه‏.‏ وأما النفقة فمعارضة كالإجارة‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه يبطل بجريان القصاص فيها دون الأب‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق بأن الأب أقوى؛ لامتناع القصاص فيه دونهما‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن الصديق في الآية، وهو يقطع اتفاقًا، وإنما الآية أذنت في الأكل ولم تأذن في دخول المواضع المحجور عليها، وفي صورة التنازع، وقال تعالى‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها‏)‏، فتلك الآية فوتها هذه‏.‏

قاعدة‏:‏ الشبهة ثلاثة أقسام‏:‏ في غاية القوة ‏(‏اتفق على اعتباره، كالشركة‏)‏، وفي غاية الضعف، ‏(‏اتفق على إلغائه كالأجير والصديق‏)‏، وقسم متردد بين القوة والضعف، اختلف في إلحاقه بأي القسمين‏.‏

الشرط السادس‏:‏ أن يكون محرزًا‏.‏ ووافقنا فيه الأئمة، وأكثر العلماء وقالوا ليس فيه خبر صحيح‏.‏ وفي الموطأ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن‏)‏‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ شبه الثمر في إشجاره بالخرائط المعلقة، وفي التنبيهات‏:‏ الحريسة‏:‏ الماشية في المراعي، والمراح - بضم الميم -‏:‏ موضع مبيت الماشية، وقيل‏:‏ منصرفها للمبيت، والجرين - بفتح الجيم - كالأندر للتمر، والمحن - بكسر الميم -‏:‏ الترس‏.‏ هذا الحديث وغيره يشعر باشتراط الحرز مطلقًا وإن كان إنما ذكر في هذين خاصة، فيكون في غيرها بالقياس، وفي هذا الشرط ستة فروع‏.‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن كان المسروق وديعة، أو عارية، أو إجارة، قطع؛ لأنه حرز له، أو سرق سارق من سارق ما سرقه، قطعوا كلهم؛ لأنهم سراق‏.‏ ويقطع سارق ما وضع في أقبية الحوانيت للبيع؛ لأنه حرز لمثله عادة، وكذلك المواقف‏.‏ وإن لم يكن هناك حانوت كان ربه معه أو لا سرق بليل أو نهار، أو شاة وقفها ربها في سوق الغنم؛ للبيع مربوطة أو لا‏.‏ وكذلك ما أخذوا من الدور والحوانيت، غاب أهلها أو حضروا، وكذلك ظهور الدواب، وإذا اجتمع في الجرين الحب والتمر، وغاب ربه، ولا باب عليه، ولا حائط، ولا غلق، قطع؛ لأنه محرز عادة‏.‏ ولا يقطع في المواشي في المراعي حتى يأويها المراح، فيقطع، وإن لم يطلق على المراح حائط أو غلق، ولا يبيت معها أهلها كالدواب في مرابطها المعروفة، ويقطع السارق من الحمام إن كان مع المتاع من يحرزه، وإلا فلا، إلا إن سرقه أحد لم يدخل الحمام مدخل الناس من بابه كالمتسور والنقب فيقطع؛ لأن هذا الوجه ليس مأذونًا فيه، فيقطع، وإن لم يكن مع المتاع حارس، وإن جر ثوبًا منشورًا على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج، فلا يقطع إن كان إلى الطريق‏.‏ وكذلك إن سرق متاعًا من ضيع، ومن أذنت له في دخول بيتك، أو دعوته لطعامك، لم يقطع؛ لأنك لم تحرز عنه، وهذه خيانة‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ اختلف في قوله في الضيف، فقيل‏:‏ معناه‏:‏ لم يخرج به، ولو خرج من الدار، لقطع، وقيل‏:‏ معناه‏:‏ وإن أخرجه ‏(‏وهو مذهب محمد‏)‏‏.‏ وقال سحنون‏:‏ يقطع وإن لم يخرج به، ومسألة الحمام تشكل على كثير ممن لم يذاكر، فيظن أن من لم ينقب لا يقطع، بل من دخل وسرق من نقب أو غيره ممن لم يدخل مع الناس داخل الحمام، أو اعترف أنه لم يأت ليدخل الحمام بل، ليسرق فقط؛ لأن سبب سقوط القطع الإذن في لبس ثياب بعضهم بعضا، وتنحيتها عن أماكنها، ويضع ثيابه مكانها، فإذا اعترف أنه ليس من أهل هذا الإذن، قطع، وقيل‏:‏ إن سرق من الثياب التي في الطيقان، قطع، كان من الداخلين للحمام أم لا؛ لأنه لم يؤذن في التصرف في الطبقات، وإنما هي لمن يسبق، إلا أن تكون لهم عادة في التصرف فيها، أو تكون كبارًا تحمل ثياب جماعة كما توضع على الألواح‏.‏ وفي المنتقى‏:‏ إن وقف صبي عند باب المسجد على دابة، فسرق رجل ركابي سرجها، قال مالك‏:‏ إن كان الصبي قائمًا، قطع السارق؛ لأن ربها إنما جعل ذلك المكان حرزًا؛ بسبب يقظة الصبي، فإن كان نائمًا، فلا قطع؛ لعدم الحرز‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ ويقطع سارق ما يبسط في المسجد في رمضان للجلوس إن كان معه صاحبه، وإن لم يخرج به من المسجد، وكذلك ما يعلق في محارس الإسكندرية من السلاح والمتاع إن كان معه ربه، قطع، وإلا فلا، إلا أن ينقب الجدار من ورائه، فيقطع، كان معه أحد أم لا، ولا يقطع في حلي الكعبة للإذن في دخولها، قال بان القاسم‏:‏ يقطع في حصر المسجد الحرام الذي لا باب له، وفي أبواب المسجد‏.‏ وقال أشهب‏:‏ لا قطع في حصر المسجد وقناديله وبلاطه للإذن في الدخول، وقيل‏:‏ إن سرق الحصر نهارًا، لم يقطع، أو تسور عليها ليلاً بعد غلق الباب، قطع‏.‏ ويقطع في القمح الذي يجمع في المسجد من زكاة الفطر وإن لم يخرج به، ‏(‏قاله مالك‏)‏، وقال ابن القاسم‏:‏ يقطع في ثوب الرجل يكون قريبًا منه في المسجد، ثم يقوم فيصلي، فيتوجه القطع لقبضه قبل أن يتوجه به؛ لأن ذلك حوزه وإن سرق الطعام من المطامير في الفلاة أخفاه صاحبه، لم يقطع‏:‏ بخلاف ما هو بحضرة أهله معروف، وأسقط القطع في الثوب الذي بعضه للطريق بالشبهة‏.‏ وعن ابن القاسم‏:‏ يقطع كما على البعير‏.‏ واختلف قول مالك فيما على حانوت الصباغ، والقصار، وقال في الغسال على البحر يبيس الثياب‏:‏ لا يقطع، كالغنم في المراعي‏.‏ قال محمد‏:‏ لا قطع في تمر رءوس النخل في الحوائط، بخلاف نخلة أو شجرة في دار رجل، يقطع، وإذا أوى الثمار الجرين، قطع إلا في جرين الصحراء، ولا حائط عليه ولا غلق؛ لأن الحديث إنما ورد في الجرين الذي أهله حوله، يحرسونه، وسوى ابن القاسم؛ لعموم الحديث، قال مالك في زرع مصر وقرظها، يحد ويترك في موضعه حتى ييبس، لا يقطع فيه؛ لأن الحديث اشترط‏:‏ إذا أواه الجرين، وكذلك في الزرع يحصد فيجمع في الحائط، فيحمل منه إلى الجرين، يقطع فيه؛ لأنه إذا ضم في الحائط، فيحمل منه الجرين، يقطع فيه؛ لأنه إذا ضم في الحائط في موضع، فهو كالجرين‏.‏ قال اللخمي‏:‏ الحرز ثلاثة‏:‏ ما عليه غلاق، كالدار والخباء، فيقطع من لم يؤذن له، والإنسان لما معه أو عليه نائمًا أو يقظان، أو شيء يحرسه، ولا خلاف في هذين، والثالث‏:‏ لا غلق عليه، ولا حارس، كالفناء والجبل ففيه إضطراب، وإن سرق في الحمام مما يجعل في الحصر، لم يقطع؛ لأن له أن يجعل حصيرة معها ويوسع لثيابه‏.‏ وإن سرق من الحارس من ليس له الثياب عنده، قطع، إلا إن يوهمه أن له عنده ثيابًا، أو أذن في النظر، لم يقطع للإذن، وإن ناوله ثيابه فمد يده إلى غيرها، قطع؛ لذهاب الشبهة بأخذه ثيابه، وإن أذن له في أخذ ثيابه من جملة الثياب، لم يقطع؛ لأنه‏.‏ خائن قال ابن القاسم في الأضياف يسرق أحدهم‏:‏ لم يقطع؛ لأنه بعد الإذن خائن‏.‏ قال محمد‏:‏ إن سلب بعضهم من كم بعض، أو سرق رداءه أو نعله، لم يقطع؛ لأن الحرز هو البيت لا الكم، قال اللخمي‏:‏ وليس بالبين إن سرق من الكم، والقطع أحسن؛ لأن كل واحد حرز لما عليه، ولأن كل واحد يأمن صاحبه على ما بين يديه، ولا يأمنه على كمه‏.‏ ومن هذا سرقة أهل السفينة من بعضهم، وعن أصبغ‏:‏ يقطع في حصر المسجد وبلاطه وقناديله؛ قياسًا على الباب، وقاله مالك‏:‏ سرق ليلاً أو نهارًا، عليه غلاق أم لا، وإن لم يخرج به من المسجد؛ لأن تلك المواضع أحراز لذلك‏.‏ وعن سحنون‏:‏ إن خيط الحصر بعضها لبعض، قطع وإلا فلا، وأسقط القطع مطلقا للإذن، ورأى مالك أن الأذن ليس من المالك، وإنما هو شيء أوجبه الحكم‏.‏ وجعل مالك الكعبة في السرقة مثل المنازل، إن سرق حيلها وهي مغلقة، قطع، وإلا فلا، ولم يجعلها مثل المساجد، ويقطع في بيت القناديل فيه الحصر وغيرها، وإن لم يؤذن في دخوله‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ إن سرق في الدار نعلا، لم يقطع؛ لأنه جعل له تحريكها وإبعادها، وجعل له توسعة لنعله‏.‏ قال مالك‏:‏ إن أدخله حانوته، فعرضها عليه فسرق، لا يقطع؛ لأنه ائتمنه على الدخول، بخلاف أقبية الحوانيت، وقال عبد الملك‏:‏ يقطع، وقال اللخمي‏:‏ الأحوال ثلاثة‏:‏ إن أباح له التقليب في صنف، لم يقطع فيه، أو من غيره، لم يقطع عند مالك، وقطع عند عبد الملك، وإن لم يؤذن له في الدخول، قطع اتفاقا، ويقطع في تابوت الصيرفي كان عنده أم لا، إلا أن يكون يتقلب به كل ليلة فنسيه، لم يقطع‏.‏ قال محمد‏:‏ لا يقطع في القطاني في القفاف، أو في أقبية الحوانين، فقام صاحبها وتركها؛ لأنها مما يخفف نقلها، فلم يجعل لها ذلك الموضع؛ حرزًا‏.‏ وإذا وقف الغنم للبيع وسرق منها من أذن له في تقلييها، لم يقطع، وإلا قطع‏.‏ وإن تعامل عليه رجلان‏:‏ أحدهما يسوم ويقلب، والآخر يسرق، قطع السارق وحده‏.‏ قال اللخمي‏:‏ الأحسن في الشاة الواحدة في السوق إذا ذهب عنها صاحبها، عدم القطع مطلقًا؛ لأنها لا تثبت وحدها في ذلك الموضع؛ ولأنها مما يخف نقلها‏.‏ واختلف إذا سيقت الغنم من المرعى للمراح، أو أخرجت منه للمرعى ومعها من يسوقها، هل يقطع؛ لأنها أواها المراح، أو؛ لأنها ليست فيه‏؟‏ قال مالك في الدواب تكون في الربيع ومعها قومتها، لا يقطع فيها؛ لأنه مرعى، بخلاف الدابة على باب صاحبها‏.‏

الثاني، في الكتاب‏:‏ إن سرق نخلة من مكانها، أو شجرة في حائط، لم يقطع كالثمار، فإن قطع الجذع صاحبه، ووضعه في الحائط، فهو حرز له، فيقطع، ويقطع سارق البقل إذا أواه حرزه، بخلافه قائمًا، وإن وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجًا من خبائه وذهب لحاجته، قطع فيه، وكذلك فسطاطه مضروبًا في الأرض، أو احتمل بعيرًا من قطاره في سيره، وبان به، أو كفنًا من القبر أو حل الطرار من داخل الكم أو خارجه، أو أخرج من الخف ثلاثة دراهم، أو سرق من محمل شيئا مستترًا، أو أخذ من ظهر البعير غرائر، أو شقها فأخذ منها، أو ثوبًا على ظهر البعير مستترًا‏.‏

فائدة‏:‏ في التنبيهات‏:‏ الطرار الذي يطر ثياب الناس، أي‏:‏ يشقها عن أموالهم ليأخذها، والنطرول - بفتح النون وضمها، وبالنون من أوله وبالأم - قال ابن وهب‏:‏ هو جنس من الشب، وقال غيره‏:‏ غاسول يشبه الطفل‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا قطع الجذع، وألقي في الحائط في حرز وله حارس، قطع‏.‏ قال محمد‏:‏ إن قطعت للحمل حولها، لم يقطع‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أبعد الراعي بغنمه، ودخل عليه الليل في موضع غير مراح، فجمعها وبات عليها، قطع سارقها؛ لأنه كالمراح، قال الطرطوشي‏:‏ أشار - عليه السلام - إلى اعتبار الحرز في حديث الجرين، ولم يبين صفته، ووكله إلى اجتهاد العلماء؛ ليعظم أجرهم‏.‏ والقاعدة‏:‏ أن كل ما لا ينص على ضبطه، يرجع فيه للعادة، كالنفقات وغيرها، فحرز كل شيء على حسبه عادة‏.‏ قال مالك‏:‏ القبر حزر لما فيه كان في البيت أو الصحراء، يقطع سارقه إن أخرجه إلى وجه الأرض‏.‏ وإن كفن وطرح في البحر، قطع آخذ كفنه، إلى خشبة أم لا، ووافقنا أحمد، قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إن كان القبر في دار أو في المقابر، قطع، أو في الصحراء، فقولان مبنيان على أن الولي يضمن الكفن، فلا يقطع، أو لا فيقطع، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقطع مطلقًا‏.‏ لنا العمومات والأقيسة على المنازل وغيرها، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتًا‏)‏، والكفت الستر، فالدور كفاة الأحياء، والقبر كفاة الأموات‏.‏ وروي عنه - عليه السلام - أنه قال‏:‏ ‏(‏من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه، ومن نبش قطعناه‏)‏، وكتب ابن مسعود إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما في نباش، فأمر بقطعه، فقطعه‏.‏ وقطع ابن الزبير نباشًا في عرفات وهو محرم، فلم ينكر عليه أحد، فهو إجماع الصحابة؛ ولأنه حرز تملكه وهو على ملكه، فيقطع كالحي‏.‏ وملك الميت إنما يزول عما لا يحتاج بدليل وفاء الدين من تركته، ولا تبرأ ذمته بغير ملكه‏.‏ احتجوا بأنه لا يسمى سارقا، بل نباشًا، وعند أهل المدينة يسمي‏:‏ المختفي، قالت عائشة - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏لعن الله المختفي والمختفية‏)‏، وقال - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا قطع على المختفي‏)‏‏.‏ ولأن القبر ليس بحرز؛ لأنه لا قفل عليه؛ ولأنه لا تحرز فيه الدنانير، كسائر الأحراز، ولو دفن معه مال، لم يقطع آخذه اتفاقًا، ولو كان حرزًا لكان حرزًا لما زاد على الكفن المعتاد، ولو كفن في عشر أثواب، فسرق الزائد على الكفن، لم يقطع؛ ولأن الكفن إنما يوضع للبلي لا للحفظ‏.‏ ولو وضع الكفن في قبر بغير ميت لم يكن حرزًا له‏.‏ ولو وضع الميت على شفير القبر، لم يقطع سارق كفنه، فالميت والقبر ليس حرزًا‏.‏ والاجتماع لا يزيد على الانفراد؛ ولأنه ليس حرزًا للناس؛ لأنه لا يدخل بإذن الولي ولا غيره، وإنما هو حرز لله تعالى، والخلق عباد الله، والعبد لا يقطع من حرز سيده؛ ولأنه مال مدفون، فلا يقطع فيه كالبذر‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه سارق؛ لقول عائشة - رضي الله عنه -‏:‏ ‏(‏سارق موتانا كسارق أحيائنا‏)‏‏.‏ ويقال في العرف‏:‏ سرق الكفن، ولأن السارق‏:‏ الآخذ خفية، والنباش كذلك‏.‏

وعن الثاني‏:‏ مجمل الحديث على ما إذا لم يخرجه، أو له فيه شبهة جمعًا بين الأدلة‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن حرز كل شيء على حسبه، فقد يصلح حرزًا لشيء دون غيره؛ لأن ضابط الحرز العادة، والعادة في الأموال مختلفة اتفاقًا، وهو الجواب عن الزائد في الكفن والمال مع الميت؛ لأنه خلاف العادة‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أنه يقصد حفظه عليه في القبر حتى يبلى، فكونه يبلى لا ينافي قصد الحفظ‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن العادة شهدت بأن الحفر لا يكون حفظًا للقماش إلا كفوو، وأن الكفن وحده خلاف العادة‏.‏ وكذلك الميت على شفير القبر، لم تشهد العادة بأن شفير القبر حرز؛ لأن ضابط الحرز ما لا يعد الواضع فيه مفرطًا‏.‏ والواضع في غير القبر مع تركه مفرط‏.‏ وبالضابط تظهر هذه النصوص كلها بأن واضع الميت مع الكفن في القبر ليس مفرطًا، وغير ذلك يعد مفرطًا‏.‏

وعن السادس‏:‏ لا نسلم أنه ليس حرزًا للغير، بل حرز للميت وبيته، كالدار حرز للحي وبيته؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياء وأمواتا‏)‏ وعدم الدخول بالإذن، كعدم الدخول في البيت على الحي العريان‏.‏ سلمنا أن الحرز لله تعالى، لكن الكفن للميت، فهو كعبد سرق من بيت سيده مال غير سيده، يقطع‏.‏ وعندنا‏:‏ إن سرق من بيت سيده مال غير سيده، يقطع‏.‏ وعندنا أن من سرق من بيت الله تعالى ذلك، يقطع‏.‏

وعن السابع‏:‏ أن البذر فيه للعلماء ثلاثة أقوال‏:‏ القطع كالكفن وعدمه؛ لأنه لم يوضع للحفظ، بل للنبات، والفرق بينه وبين الكفن‏:‏ أن كل حبة في حرزها، فهو مخرج من كل حرز دون النصاب، وهو المختار، الثالث‏:‏ إن نزل المسافرون كل واحد على حدة، فسرق أحدهما من الآخر، قطع كأهل الدار ذات المقاصير‏.‏ ومن ألقى ثوبه في الصحراء وذهب لقضاء حاجته وهو يريد الرجعة إليه ليأخذه، فسرقه رجل سرًا، قطع إن كان منزلاً نزله، وإلا فلا‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن طرحه بموضع ضيعة، لم يقطع، أو بقرب منه، أو خبائه، أو خباء أصحابه، وسرقة غير أهل الخباء، قطع‏.‏ قال محمد‏:‏ وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض، فلا قطع، كالحرز الواحد، إلا أن يسرق من غير أهل السفينة مستترًا، فليقطع إذا خرج من الركب‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن سرق من سفينة، قطع، والسفينة نفسها فهي كالدابة، تحبس، وتربط إن كان معها من يمسكها قطع كالدابة بباب المسجد وفي السوق‏.‏ وإن نزلوا سفينتهم منزلا، فربطوها، قطع، كان معها صاحبها أم لا؛ لأنه كالحرز لها‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قوله‏:‏ يقطع سارق السفينة، يريد‏:‏ إنه من غير أهلها، فيقطع إذا أخرجه من السفينة، أما أحدهم فلا؛ لأنها كالحرز الواحد، قال محمد‏:‏ إن أرسى السفينة بموضع يصلح أن يرسي بها فيه، قطع، وإلا فلا؛ لعدم شهادة العادة بأنه حرز لها، قال اللخمي‏:‏ إن انفلتت من المرسى‏:‏ لم يقطع، فإن أرسى بها في غير مرسى، قطعه ابن القاسم دون أشهب، ولو كان معها في البر من يحرسها، قطع عندهما‏.‏

الخامس‏:‏ في المقدمات‏:‏ الدور ستة‏:‏ دار حجرها ساكنها أو مالكها عن الناس، يقطع سارقها إن خرج من الدار، ولا يقطع إن خرج من بعض بيوتها ولم يخرج منها، ودار أذن فيها ساكنها أو مالكها لخاص كالضيف، أو رسول يبعثه ليأتيه بقماشه، فيسرق ذلك الخاص من بيت حجر عليه فيه، ففي المدونة‏:‏ لا يقطع، وإن أخرجه من جميع الدار؛ لأنه خائن، لا سارق، وقطعه سحنون، وإن لم يخرج من جميع الدار إذا أخرجه إلى موضع الإذن؛ لشبهة بالشركاء في ساحة الدار إذا سرق أحدهم من بيت صاحبه، وأخرجه إلى ساحة الدار‏.‏ وعنه‏:‏ لا يقطع حتى يخرجه من جميع الدار، ودار انفرد بسكانها مع امرأته، فسرقت الزوجة أو أمتها من بيت حجره عليها، أو الزوج أو عبده من مالها المحجور عليه، فظاهر المدونة‏:‏ يقطع إن أخرجه إلى موضع الإذن، وعن مالك‏:‏ لا يقطع؛ لأنها خيانة، ودار أذن فيها عاما، كالعالم والطبيب، أو يحجر على بيت منها دون بقيتها، يدخل بغير أذن، فيقطع من سرق من بيت محجور إذا خرج به من جميع الدار، ولا يقطع السارق من قاعتها ولا من غير المحجور من بيوتها اتفاقًا حتى يخرج من جميع الدار؛ لأن بقية الدار من تمام الحرز، فقارقت الحجر، فإنه لا يدخل إلا بإذن صاحبها، ودار مشتركة بين ساكنيها، مباحة لسائر الناس، كالفندق، فقاعته مباحة للبيع والشراء، فهي، كالمحجة، فالسارق من البيوت من السكان أو غيرهم إذا أخذ في قاعة الدار، قطع اتفاقًا، ودار مشتركة بين ساكنيها، محجورة عن الناس، من سرق من بيت صاحبه، قطع إذا خرج إلى قاعة الدار، ‏(‏وإن لم يخرج عن الدار‏)‏ ولا أدخله بيته ولا قطع في السرقة من قاعة الدار، وإن أدخله بيته أو خرج به من الدار؛ لأنها مأذون فيها لهم، إلا إن سرق من قاعتها دابة من مربطها المعروف لها، ونحوه من المتاع الثقيل الذي يجعل بعضه على بعض، فذلك الموضع حرز له‏.‏ وإن سرقت زوجته لأحد سكانها، أو زوجها أو رقيقها من مال صاحبه من بيت محجور عليه منه، قطع اتفاقًا، أو أجنبي من بيت من بيوت الدار، وأخذ في قاعتها، وكالثوب المنشور، فيخرجه من الدار، فظاهر المدونة‏:‏ يقطع في الوجهين‏.‏ والقياس‏:‏ إذا قطع في الوجه الثاني أن لا يقطع في الوجه الأول، وعليه حمل عبد الحق ما في المدونة‏.‏ وإذا قطع الأول أن لا يقطع في الثاني، وعليه حمل التونسي ما في الموازية، فتتحصل أربعة أقوال‏.‏ واختلف إذا سرق أجنبي ما نسي بعض الأشراك في القاعة مما لم يقصد وضعه فيها، قطعه ابن القاسم دون محمد، فإن كان موضعًا له كمربط الدابة، قطع اتفاقًا إن أخرجه من الدار، فإن أخذ قبل ذلك وبان به عن موضعه، فعلى الخلاف إذا أخرجه من البيت إلى القاعة‏.‏ وفي النكت‏:‏ الدار المشتركة المحجور عليها لغير السكان، كدور مصر، وإن نشر أحد ثوبه على ظهر بيته المحجور عن الناس، قطع سارقه، وإن أخذ في الدار، ‏(‏قاله ابن القاسم‏)‏‏.‏ قال محمد‏:‏ إن كان السارق من أهل الدار وإلا يقطع حتى يخرج من جميع الدار‏.‏

السادس‏:‏ في الجواهر‏:‏ إن علم صاحب الحرز بالسارق، فتركه حتى خرج، ثلاثة أقوال‏:‏ لا يقطع لمالك؛ لأنه مختلس بسبب الإطلاع، وقطعه أصبغ، وفرق بعض المتأخرين‏:‏ إن شعر بمعرفته ففر، لم يقطع‏.‏

الركن الثالث‏:‏ السرقة‏:‏ وهي الإخراج، وفيه طرفان‏:‏

الطرف الأول‏:‏ في وجوه النقل‏.‏ وقد تقدم في الحرابة أن أخذ المال عشرة أقسام، أحدها، المسر، وفيه ثلاثة فروع‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا سرق جماعة ما تعاونوا على إخراجه من الحرز؛ لثقله، قطعوا إن كان قيمته نصابًا، وإن حملوه على ظهر أحدهم؛ ليخرج به، ولم يقدر على إخراجه إلا برفعهم معه، قطعوا وإلا قطع الخارج به وحده؛ لأنه السارق، ولا يقطع من أعانه، وإن خرج كل واحد بشيء وهم شركاء في المخرج، لم يقطع إلا من أخرج نصابًا، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إن خرجوا بالشيء الخفيف يحملونه كالثوب، وفي قيمته لكل واحد ربع دينار، قطعوا، أو أقر، لم يقطعوا لأن كل واحد، سرق دون النصاب، وقاله مالك‏:‏ قال اللخمي‏:‏ وقيل الخفيف كالثقيل كأن لا يخرجه إلا اثنان، فأخرجه أربعة، جرى على الخلاف في الخفيف، وإذا لم يستطع أخراجها إلا بحمل الجماعة عليه، قال أبو مصعب‏:‏ يقطع المخرج وحده؛ لأن غيره متوسل لا سارق، ‏(‏خلاف ما في الكتاب‏)‏‏.‏ ووافقوا إذا حملوها على ظهر دابة، أنهم يقطعون، وقد اختلف في هذا الأصل‏:‏ إذا قربوه فجره الخارج بيده، أو ربطوه فجره، بالقطع وعدمه، وإن حملوه على صبي أو مجنون، فكالدابة‏.‏ وإن أخرجها من غير أن يأمروه، لم يقطعوا، فإن سرق أحدهم دينارًا فقضاه لأحدهم قبل أن يخرجوا، فأودعه إياه، قال محمد‏:‏ يقطع من خرج، وكذلك لو باعه ثوبًا في الحرز، ولو دخل رجل على السارق، فباعه ثوبًا، فخرج المشتري، ولم يعلم أنه سارق، لم يقطع واحد منهما، فإن أخذ في الحرز وقد ائترز بإزار، فانفلت به عليه، قال ابن القاسم‏:‏ لا يقطع، علم به أهل البيت أم لا؛ لأنه مختلس، فإن قال كل واحد منهم‏:‏ ما أخرجها إلا الآخر، وأنكر الكل، وتنازعوا، لم يقطعوا، ويستظهر في ذلك باليمين رجاء الإقرار، إلا أن يكون فيهم من يراد ستره، فلا يحلف، ويحلف الباقون‏.‏

الثاني‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا جمع المتاع وأدرك في الحرز قبل الخروج، لم يقطع، وإن كانت دار مأذون فيها وفيها تابوت مغلق، فأخذ رجل مأذون له متاع ذلك التابوت، فأخذ قبل أن يخرج به، لا يقطع؛ لأجل الإذن، وإن كان ممن لم يؤذن له، لم يقطع أيضًا؛ لأنه لم يبرح بالمتاع‏.‏ وإذا نقب فأخرج بعود، قطع، وإن دخل وناول آخر خارجه، قطع الداخل وحده أخذ في الحرز أو خارجه؛ لأن المخرج والخارج آلة له‏.‏ وإن أخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارج الحرز، توقف فيه مالك بعد أن قال‏:‏ يقطع، قال ابن القاسم‏:‏ وأنا أرى أن يقطع؛ لأنه يخرج، وإن ربطه الداخل بحبل، وجره الخارج، قطعًا جميعًا، وإن ناوله أحدهما صاحبه وهما في الدار، لم يقطع إلا المخرج، وإن قربه إلى باب الحرز أو النقب، فتناوله، الخارج، قطع وحده؛ لأنه المخرج، فإن التقت أيديهما في المناولة في وسط النقب، قطعًا معًا، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا رمى بالمتاع في الحرز، فأتلفه قبل خروجه، ففر من الحرز قاصدًا لإتلافه، كرميه في نار، لم يقطع؛ لأنه لم يخرج به من الحرز، أو قاصدًا أخذه بعد الخروج، قطع، وإن أخذ في الحرز؛ لأنه قصد السرقة‏.‏ والفرق عند ابن القاسم بين المتناول للسرقة من الداخل، لا يقطع الداخل، وبيت المار بالحبل، يقطع الداخل، أن المتناول منه كما لو كانا جميعًا في الحرز، فناول أحدهما الآخر شيئًا، فخرج، لا يقطع إلا الخارج، وربط الحبل من عمل الداخل، فقد استويا في الإخراج فيقطعان‏.‏ ورأى أشهب أن المناولة كالرباط، قال مالك‏:‏ إن أشار للشاة بالعلف، لا يقطع؛ لأن خرجوها بإرادتها، وقطعه ابن القاسم؛ لأنه مكره لها بذلك‏.‏ قال اللخمي‏:‏ اختلف في ثمان مسائل‏:‏ تقريبها إلى النقب، ويخرجها من هو خارج الحرز، والربط لمن هو خارج، والربط لمن هو على سقف البيت، والرابعة‏:‏ رميها فتؤخذ قبل أن يخرج هو، والخامسة‏:‏ يرميها فتهلك خارجًا، والسادسة‏:‏ أن يسرق بإدخال يده، والسابعة‏:‏ الإشارة إلى طائر أو أعجمي بشيء، فيخرج، والثامنة‏:‏ حمل المتاع وهو في الحرز على غيره‏.‏ وخالف أشهب بالقطع في المقرب للنقب، وقطعهما معا، وقطع ابن القاسم الخارج وحده، إلا أن تلتقي أيديهما في النقب، فيقطعان، قال محمد‏:‏ إذا لم يبن به على السطح، لم يقطع؛ لأن السطح من الحرز، كداخله‏.‏ قال مالك في ثلاثة أحدهم في الحرز والآخر على ظهره، والآخر في الطريق، فناول الأسفل الذي على ظهره، وناول الثاني الذي في الطريق، قطع الآولان دون الثالث؛ لأنه ليس في الحرز، إلا أن يمد يده حتى يصير فوق ظهر البيت، فيقطع الكل، قال اللخمي‏:‏ قطع الذي في أسفل البيت ليس بالبين؛ لأنه لم يخرج، فقطع العلي وحده إذا مد يده إلى من في الطريق، أو مد الخارج يده فوق السطح‏.‏ وقطع مالك في الشاة والأعجمي؛ لأن فعلهما أخرجهما من الحرز، ولو كان بالرطانة للأعجمي‏.‏ ومنع ابن نافع في الرطانة إن دعاه فأطاعه، بخلاف لو غره، كقوله‏:‏ سيدك بعثني إليك‏.‏

الثالث، في الكتاب‏:‏ إن أكل الطعام في الحرز، لم يقطع وضمنه، وإن دهن رأسه ولحيته وخرج، وقيمة ما يمكن سلته عنه نصاب، قطع؛ لأنه الذي أخرجه، وإلا لم يقطع، وإن ذبح شاة، أو أحرق ثوبًا، أو أفسد طعامًا في الحرز، إنما ينظر إلى قيمته بعد الإخرج، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقطع‏.‏ لنا‏:‏ العمومات، والقياس على إخراجها عنه‏.‏ احتج بأنه لزمه الضمان، فلا يقطع، فيما لزمه‏.‏ وجوابه‏:‏ أن القيمة إنما تلزم بعد الحكم‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ في العتيبة‏:‏ لو أبتلع دينارًا في الحرز وخرج، قطع؛ لأنه خرج به، ويخرج منه فيأخذه، قال محمد‏:‏ وتضمينه ما يخرج بالثلث وهو نصاب، ضمنه في يسره دون عدمه إذ فيه قطع، والزائد على ذلك يضمنه في عدمه وملائه، ويحاص به غرماءه‏.‏ وفي الموازية‏:‏ إن خرج بالشاة مذبوحة وله مال يوم السرقة، يضمن قيمتها حية، وإن لم يكن له مال، اتبع بما بين قيمتها حية، وقيمتها مذبوحة؛ لأن ما أفسده في الحرز من كسر جرة زيت، أو حرق ثوب ضمن قيمته إذا قطع، له مال أم لا؛ لأنه ليس فيه قطع، وإنما القطع في المخرج، فإن لم تكن قيمة الجميع نصابًا، أتبع بالجميع في ملائه وعدمه، وإلا إن أراد رب الثوب أخذه محروقًا، سقط الضمان، وإن دخل بثوب الحرز، فصبغه بزعفران وخرج به، فإن زادت قيمته يوم الخروج نصابًا، قطع، بخلاف الدهن في الرأس؛ لأنه لا يزيد في قيمة المدهون، وإن كان عبدًا، ويضمن الزعفران كله في ملائه، وإن كان عديمًا وقد قطع، فلا يسقط قيمته الزائد؛ لأنه عين قائمة، ولم يهلك الثوب، وقيمة باقي الزعفران يأخذه من باقي ثمن الثوب إن لم يكن على السارق دين، وإلا تحاصوا، ولو أخرج الزعفران، فصبغ به خارج الحرز، فرب الزعفران أولى بالثوب حتى يقتطع ما زاد فيه الصبغ‏.‏ والغرماء أحق بما بقي من الثوب، وإن لم يزد الزعفران في قيمة الثوب وقطع فيه وهو عدم، لا ينتفع بشيء منه، وغرماءه أحق بالثوب، بخلاف لو سرق ثوبا، فصبغه بزعفران نفسه فلم يزده، لا شيء عليه لغرمائه مع صاحب الثوب، وفيه اختلاف، فإن سرق زعفرانا فصبغ به ثوبه فباعه، فرب الزعفران أحق بالثوب في عدمه حتى يستوفي ما زاده صبغه على قيمته أبيض، وكذلك لو باعه المبتاع من ثان، أو ثان من ثالث؛ لأنه عين شبه، والبائع متعد، بخلاف بائع ثوبه الذي صبغه له الصباغ ليس للصباغ فيه طلب بصبغه؛ لأنه غير متعد في البيع، فهو كما لو اشترى سلعة فباعها، فإن أفسده في الحرز وأخرجه وقيمته نصاب، ليس لربه أخذه في الفساد الكثير، ويتبعه بما نقص؛ لأنه لا يسلم إليه إلا بعد وجوب القطع‏.‏ وله أخذ بما لزمه داخل الحرز إلا أن يكون على السارق دين، فليحاصص، وله أخذه في عين الفساد الكثير، ويتبعه بما نقص بفعله في الحرز؛ لأنه خيانة قبل السرقة، وإن أخرجه وأفسده فسادًا كثيرًا، لا يأخذه، وما نقصه عند أشهب، بل قيمته يوم سرقه، أو يأخذه مفسودًا بغير شيء؛ لأنه أحدث ذلك بعد ضمانه، وإن سرق أمة عجمية، وأصابها عنده عيب مفسد، تلزمه به قيمته يوم السرقة، فوطئها، حد للسرقة والزنا إن كان بكرًا وإلا رجم، ولم يقطع، ولا تصير الأعيان له إذا جنى عليها حتى يقضي عليه بالقيمة‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إن وضع المتاع على الماء فخرج من الحرز، أو فتح أسفل المكارح حتى ذهب ما فيه من حب، أو وضعه على ظهر دابة، فخرجت به، قطع؛ لأن ذلك كله عن عمله، وبه خرج‏.‏

الطرف الثاني‏:‏ المنقول إليه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لا يقطع بالنقل من زاوية إلى زاوية، بل من الحرز إلى ما ليس بحرز‏.‏

النظر الثاني‏:‏ في إثبات السبب

وفيه عشرة فروع‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ يسأل الإمام البينة عن كيفية الأخذ والإخراج والمأخوذ، فإن كان فيه شبهة درأ الحد‏.‏ في النكت‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا كانوا عالمين بمواقع الشهادة، لم يسألوا وإلا سئلوا، ومنعه غيره؛ لأن رأي الحاكم قد يكون نفي القطع، قال اللخمي‏:‏ إن غابوا قبل أن يسألوا، لم يقطع؛ لإمكان الشبهة، إلا أن يكون من أهل العلم، ومذهبهم مذهب الحاكم‏.‏ وكذلك الزنا، فإن غاب ثلاثة في الزنا أو واحد في السرقة، سئل الباقي، قال محمد‏:‏ إن غاب أربعة في الزنا لم يسأل الباقي وليس بالبين‏.‏

الثاني، في الكتاب‏:‏ يحبس حتى تزكى البينة، فيحد وإن غاب الشهود أو رب السرقة أو لا أو ماتوا، أو عموا أو جنوا، أو خرسوا‏.‏ وكذلك الحقوق؛ لأن المقصود ثبوت مناط الصدق بالعدالة، وإن ارتدوا أو فسقوا قبل الحكم؛ لأن ذلك يدل على سواء سريرتهم قبل ذلك‏.‏ وإن فسقوا، أو حدوا بخمر قبل الحد وبعد الحكم، أقيم الحد والقصاص، وجميع الحقوق؛ لتقدم الحكم، ولا تفرق البينة إن كانوا عدولاً مبرزين، إلا أن يستنكر الإمام‏.‏ في التنبيهات‏:‏ منع مالك من الكفيل؛ لأنه لا كفالة في حد، أما بعد الشروط فلازمة، أو من الناس في الأمر القريب، فيجوز كالسجن، وقوله‏:‏ عموا أو خرسوا، من سؤال من تمتنع شهاداتهم‏.‏ والمذهب‏:‏ يخبر بها ابتداء، وقيل‏:‏ لعله يريد في الزنا، وحيث تمتنع شهادة الأعمى، وهو يبطل بقوله‏:‏ أو خرسوا، قال اللخمي‏:‏ فيها أربعة أقوال‏:‏ التفرقة بين أن يحكم بها، فيقطع، أم لا فلا، وقال مطرف‏:‏ ذلك في حق الآدمي، كالقذف، والقتل دون حق الله، كالسرقة‏.‏ وقال محمد‏:‏ إن أحدثوا بعد الشهادة كالزنا والسرقة والخمر، لم يحكم بها، بخلاف أن يقذفوا، أو يقتلوا قتيلاً على نافذة، أو اقتتل هو ومن شهد عليه، لم تسقط وقضي بها؛ لأنه مما لا يخفيه الناس، وقال عبد الملك‏:‏ إن أشهد على شهاداتهم، أو سمعت منهم قبل فعادوه، فشهدوا عليه بعد العداوة جاز‏.‏ وكذلك كل ما لا يستتر به كالقذف إذا قيدت قبل، قال اللخمي‏:‏ وأرى أن لا يمضي بها إذا زنوا أو شربوا، وإن كان حكم بها، كانت الشهادة بحق الله تعالى أم لا، قال‏:‏ ولو نقض الحكم، وإن أخذ الحق، لا تحد، كما لو علم ذلك قبل الحكم، وأما الارتداد وما لا يخفيه غالبًا، فلا ترد الشهادة إذا كانت لآدمي، ولا تمضى إن كانت حد الله تعالى؛ لأن ذلك شبهة‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ يحرم الكف عن الشهادة إذا رفع السارق للإمام، لتعين حق الله تعالى بوصوله إلى نائبه، وإن عاينت البينة ‏(‏إخراج المتاع من البيت‏)‏، ولا يدرون لمن هو، فلا يشهدون بملكه لرب البيت، بل يؤدون ما عاينوا، وتقطع يد السارق، ويقضي بالمتاع لرب الدار؛ لأن اليد ظاهرة في الملك‏.‏ وكذلك إن عاينوا الغصب، وإن شهد أحدهم أنه سرق نعجة، والآخر كبشًا، لم يقطع، وكذلك يوم الخميس، ويوم الجمعة؛ لأنهم لم يشهدوا على فعل واحد، في النكت‏:‏ قيل‏:‏ إن اتفقا على عين المسروقة، لا يضر الاختلاف في اليوم في الغرامة، ويغرم قيمة ذلك الشيء، وإن اختلفا في عينه، كالنعجة والكبش، فللمسروق منه أن يدعي أحد الشهادتين، ويقتضي له بها، قال محمد‏:‏ يحلف مع أي شهادة شاء، أو معها، ويقضي بهما جميعًا، ما لم تكن شهادتهما في وقت واحد، وموضع واحد، فيكون تكاذبًا، فتسقطان‏.‏ قال اللخمي‏:‏ يريد في الكتاب في النعجة والكبش‏:‏ أنه في سرقة واحدة، فإن كانا في سرقتين، فقال أحدهما‏:‏ سرق أمس كبشًا، وقال الآخر‏:‏ اليوم نعجة، ففي جميع الشهادة والقطع، قولان‏:‏ فإن قال أحدهما‏:‏ سرق بالمدينة، وقال الآخر‏:‏ بمصر، قال مالك‏:‏ لم يقطع؛ لأنهما فعلان، قال‏:‏ وفيه بعد‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن قالت البينة قبل القطع‏:‏ وهمنا، بل هو هذا الآخر، لم يقطع واحد منهما للشك، وما بلغ من خطأ الإمام ثلث الدية فأكثر فعلى عاقلته، مثل خطأ الطبيب، والمعلم، والخائن، وإذا رجع الشاهدان قبل الحكم، ولهما عذر بين يعرف به صديقهما، وهما بينا العدالة أقيلا، وإلا لم يقبلا في المستقبل‏.‏ فإن شهد رجل وامرأتان، لم يقطع، وضمن المسروق، فإنه مال، ولا يمين على صاحب المتاع إن كان قائمًا بعينه، لاستقلال السبب، فإن شهدت على غائب، قطع إذا قدم، ولا تعاد البينة إن كان الإمام استوفي تمام الشهادة‏.‏

الخامس، في الكتاب‏:‏ إن شهدت البينة على إقراره بالسرقة، فأنكر، وذكر قولا يعذر به، أو جحد الإقرار أصلا قبل كالزنا؛ لأنه شبهة، وإن أقر عبد، أو مكاتب، أو أم ولد بالسرقة، قطعوا إذا غيبوا السرقة وأظهروا، فإن ادعى السيد أنها له، صدق مع يمينه‏.‏ وقال مالك في ثوب بيد أمة أدعاه السيد وأجنبي، وصدقت الأجنبي، قضي به للسيد مع يمينه؛ لأن إقرار العبد على سيده في ماله باطل، ويد السيد ظاهرة في ملكه، قال الطرطوشي‏:‏ يقبل إقرار الرقيق فيما يلزمه في يديه من حد أو قصاص دون المال، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقبل في القطع والمال، ويرد المال لصاحبه‏.‏ وعن ‏(‏ش‏)‏ القولان‏.‏ واختلف أصحابه في محلها، فقيل‏:‏ إذا كانت العين قائمة، أما الفائتة، فقولا واحدًا‏.‏ ومنهم من عكس، ومنهم من أطلقها، وقيل‏:‏ لا يقبل في نفس ولا مال‏.‏ لنا في القطع‏:‏ ظواهر العمومات، والقياس على الحر‏.‏ احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تكسب كل نفس إلا عليها‏)‏، وقبول إقراره كسب على سيده، فلا يقبل، وبقوله - عليه السلام -‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه‏)‏، والعبد مال السيد، ولم تطب به نفسه، وبالقياس على الإقرار بالقذف‏.‏ واحتج ‏(‏ح‏)‏ بالقياس على الحر‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه كاسب على نفسه؛ لأنه إنما أقر عليها، ولزم بطريق العوض حق السيد، فهو كالحر يقر بالقتل، فيؤذي أبويه وغيرهما‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن المال ظاهر في المتمحض للمالية وهذا آدمي، المال فيه تبع، والأصل‏:‏ عدم تناول اللفظ له‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الدين يتهم فيه بإضرار السيد، أما ما يؤلمه، فبشريته تمنعه من الكذب عليها‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن الحر غير متهم، والعبد متهم على السيد‏.‏

تفريع، في التنبيهات‏:‏ إذا شهدت بالإقرار بالحرابة، وهو ينكر، أقيل، وفي غير الكتاب‏:‏ يقال في الزنا، وإن لم يأت بعذر‏.‏ وفي النكت‏:‏ قوله‏:‏ إذا عين الرجل السرقة، يريد‏:‏ لا يقبل رجوعه بعد تعييبه، كالبينة، وإن لم يعين وتمادى على إقراره، قطع وإلا فلا‏.‏ في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا تعلق صبي بعبد وأصبعه تدمي، وادعى أنه جرحه، فأقر، قبل قوله، وذلك في رقبته، وأما على غير هذا الوجه، فلا يقبل إقراره، قال محمد‏:‏ لا يتبع بالسرقة المقر بها في رقه، ولا بعد عتقه، وإن قطع، وكذلك إن كانت بينة إذا لم توجد بعينها، وقال أصبغ‏:‏ تؤخذ قيمتها مما بيده من مال، قال محمد‏:‏ إلا أن يقر بعد العتق أن ثمنها في الذي بيده، وما سرق ما لا قطع فيه مما لا يؤتمن عليه بخيانة، وما فيه أذن ففي ذمته، كإذنك له في دخول منزلك، فسرق‏.‏ قال اللخمي‏:‏ اختلف إذا لم يأت الحر بعذر‏:‏ هل يقال لحديث ماعز أو لا؛ لأن الأصل‏:‏ لزوم الإقرار، وهذا إذا لم يعين السرقة، فإن عين فظاهر المدونة‏:‏ يقال؛ لأنه لم يفرق، وعن ابن القاسم‏:‏ لا يقال إذا عين، ولم يفرق أنها عين أو عرض‏.‏ وعنه‏:‏ ليس في الدنانير تعيين على أصل المذهب أنها لا تتعين، ويريد أيضًا، المكيل والموزون‏.‏ وعن أشهب‏:‏ لا يقبل إقرار العبد بالقتل وإن عين القتيل، إلا أن يكون معه، أو يرى متبعه، أو نحوه‏.‏ وقيل‏:‏ لا يقبل مطلقًا إلا أن يقوم لذلك دليل؛ لأن إقراره يتضمن أذية سيده، وإذا قبل في السرقة، عاد المقال بين المقر له بالسرقة وبين السيد، فإن كان العبد مأذونًا له، صدق، وأغرم ما أقر به، أو غير مأذون، لم يصدق، إلا أن يقول السيد‏:‏ لا أعلم لي فيها حقًا‏.‏ والمقر به لا يشبه أن يكون ملك العبد، وإن قطع وقد استهلك، لم يتبع مع العدم، وإن أقر المحجور عليه لم تؤخذ منه السرقة، وإلا أن يكون مما لا يشبه أن تكون من كسبه، فإن أقر، أحد تحت التهديد، فخمسة أقوال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يؤاخذ، قال ابن القاسم‏:‏ فإن أخرج المتاع أو القتيل أقيل، إلا أن يقر بعد الأمن، أو يعرف وجه إقراره ويعين، مثل‏:‏ ذكر أسباب ذلك، وبدايته، ونهايته، وما يعلم أنه فيه غير مكره، وعن مالك‏:‏ إن عين السرقة، قطع؛ لأن التعيين، كالبينة، إلا أن يقول‏:‏ دفعتها لفلان، وإنما أقررت لما أصابني، ولو أخرج الدنانير لم يقطع؛ لأنها لا تعرف، وعن أشهب‏:‏ لا يقطع وإن ثبت على إقراره؛ لأن ثبوته خوف العودة للعقوبة إلا أن يعين السرقة، ويعرف أنها للمسروق منه، لئلا يخرج متاع نفسه ويعترف به؛ ليخلص من العقوبة‏.‏ وعن سحنون‏:‏ يؤاخذ بالإقرار من الرجل وهو في الحبس من سلطان عادل، ولا يعرف ذلك إلا من ابتلي بالقضاء‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلص اعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏ما أخالك سرقت، قال‏:‏ بلى، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به، فقطع، فقال‏:‏ استغفر الله، وتب إليه، فقال‏:‏ استغفرته، وتبت إليه، فقال‏:‏ اللهم تب عليه‏)‏، وظاهره‏:‏ أنه لو رجع؛ لقبل رجوعه، وكل حد لله تعالى يقبل فيه الرجوع، إلا أن يأتي بما يشبه البينة من تعيين السرقة أو غيرها، وهو من أهل التهم‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن أقر، فكذبه المسروق منه، أو قال‏:‏ هو له، أو أودعته، أو هبة رجل معي إليه، قطع بإقراره؛ لأن الإقرار سبب لا يسقط إلا بسبب شرعي، وقوله ذلك ليس سببًا شرعيًا‏.‏

السابع‏:‏ إذا شهد على الآخر سرًا، أو أقر بوجه يعرف به إقراره، وتعين، قطع؛ لحصول المقصود من الكلام، وإلا فلا؛ للشك‏.‏

الثامن‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن ادعى رجل بالسرقة، لم يحلف إلا من هو متهم، فإنه يحلف، ويهدد، ويسجن؛ لظهور الريبة، وإن كان من أهل الفضل، أدب المدعى عليه‏.‏ في النكت‏:‏ المتهم ثلاثة‏:‏ مبرز بالعدالة، يترك، ومعروف بالسرقة، يهدد ويحلف، ومتوسط بينهما، يحلف فقط، قال‏:‏ وينبغي أن لا يحلف إلا المتهم، فإن كان لا يرمى بعار السرقة، ولكنه إن وجد متاع غيره، أخذه، قال مطرف‏:‏ لا يحلف؛ لأن الدعوى غير مجزوم بها، وهو في معنى كلام المدونة، قال ابن يونس‏:‏ قال مطرف‏:‏ إن اتهم مجهول الحال، سجن حتى يكشف حاله من غير طول؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس رجل اتهمه رجل صحبه في السفر بسرقة، فإن كان معروفًا بالسرقة، سجن أطول، وإن وجد مع ذلك معه بعض السرقة، فقال‏:‏ اشتريته، ولا بينة له، وهو من أهل التهم، لم يؤخذ منه غير ما في يديه، وإن كان معروفًا، سجن أبدا حتى يموت، وقاله عبد الملك، وأصبغ، وعمر بن عبد العزيز، وقال أشهب‏:‏ إن شهد عليه أنه متهم، سجن بقدر ما يتهم عليه، وعلى قدر حاله، وربما ضرب بالسوط مجردًا، وإن كان الوالي غير عدل، لا يذهب إليه، ولا يشهد عنده‏.‏ في النوادر‏:‏ إنما يؤدب المدعي على غير المتهم بالسرقة، إذا كان على وجه المشاتمة، أما دعوى الظلامة، فلا، ‏(‏قاله مالك‏)‏‏.‏

التاسع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن أقر بغير سجنه، ثم جحد، لم يقطع، وغرم المال للمسروق منه؛ لأن الرجوع يؤثر في حق الله تعالى دون حق العبد‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ وكذلك إذا رجع في الزنا، لا يسقط المهر، وإن أقر قطع، ولا يقف على دعوى المالك؛ لأنه حق الله تعالى، وإن رد اليمين ثبت الغرم دون القطع، ويقبل إقرار العبد في القطع ‏(‏دون المال‏.‏ في المقدمات‏:‏ للرجوع عن الإقرار ثلاث حالات‏:‏ إن أتى تائبًا، فهاهنا اتفق على وجوب القطع‏)‏ عليه، وقبول رجوعه إن أتى بشبهة، ويختلف إن جحد الإقرار أصلاً، الثانية‏:‏ يقبل رجوعه وإن جحد الإقرار قولا واحدًا، وهو إذا لم يتفقوا على قطعه إن أقر بعد أخذه ولم يعين، أو بعد الضرب والتهديد، الثالثة‏:‏ لا يقبل رجوعه إذا جحد الإقرار اتفاقًا، ويختلف إذا قال‏:‏ أقررت؛ لأجل كذا، وهي الحال التي يتفق على قطعه، ويختلف في رجوعه، وذلك إن أقر بعد أن أخذ وعين، ثم رجع‏.‏

العاشر‏:‏ في النوادر‏:‏ كره مالك للسلطان أن يقول للمتهم‏:‏ أخبرني ولك الأمان؛ لأنها خديعة، فإن سبق من الإمام وقامت عليه بينة، أو أقر، قطعه؛ لأنه حق لله تعالى، وكذلك لو قطع عليه الطريق‏.‏ ولا يحكم عليه بقيمة السرقة، بل يدفعه لمن فوقه، وإن شهد عليه هو ورجل عدل، قال أشهب‏:‏ يقيم الحد، وإن رفعه للإمام كان أحسن، وكرهه محمد‏.‏